أبــداع - CREATIVITY

أبــداع - CREATIVITY

Google search engine

Google Groups
Subscribe to Creativity - إبــداع
Email:
Visit this group

Jan 14, 2011

قصة عن الابداع الجماعي


 مايك أحد الجنود في الحرب الكورية عاش فترة من الزمن يعاني من الخوف و البرد والملل داخل حقيبة النوم المخصصة لكل جندي للاختباء من طلقات العدو ليلاً يقول: (نحن نقضي أوقاتاً كثيرة في حقائب النوم محاولين الهرب من البرد القارس، وقد يخالجك شعور زائف بالأمان في تلك الحقائب لكن كان علي أن أنهض من هذه الحقيبة حتى وإن كان الهواء خارجاً متجمداً لقد حان الوقت لتحويلها إلى بيئة خصبة) .وقرر أن يكون مسؤولاً عن بيئته وحول حقيبة نومه إلى خيمة من عدد من صناديق الذخيرة التي ربطها مع بعضها على شكل حرفu ليصنع جانبين وقمة ووضع هذا الهيكل الصغير حيث يستلقي، وجعله يدعم الحقيبة لتكون غرفة صغيرة، وصمم باباً لها وجعل جدرانها مغطاة بورق يكتب عليه الأحداث و يرسم الصور، ووصل لها إضاءة متقطعة بمصابيح الطريق، ولأنه سأم من طعم القهوة المر ابتكر فيها مزج القهوة بالسكر، ولم تكن في وقته هواتف محمولة فكان لديه جهاز إرسال صغير للاتصالات في الميدان وأصبحت غرفته ملتقى للأصدقاء ومكاناً لتبادل قصص الحرب، ولمزيد من الأمان حول غرفته وضع أسلاكاً للتعثر وربط العلب المعدنية المليئة بالأحجار على مسافات حول الحواف لتسقط محذرة الجنود. وبذلك استطاع مايك أن يحافظ على نفسه وعقله وحياته وسط جحيم الحرب، بل و أن يبقى على اتصال وثيق بمن معه.
فما السر في ذلك ؟
إنه الخروج من الحقيبة، فالإبداع هو المهارة التي يملكها كل إنسان وتمنحه القدرة على أن يخرج من حقيبة الجمود والأسر داخل اليأس والمشكلات والإحباط وبدلاً من قول لا يمكن عمل شيء فهو يصنع الأفضل، والإبداع هو القيمة التي تجعل الإنسان يتغلب على الجمود الذي ينتج من طغيان التفكير المألوف و السائد على حياة الإنسان خاصة حين وجود الحاجة لتطوير الأداء .
ولقد اعتاد الكثير على سماع كلمة الإبداع تتردد في جوانب الحياة المختلفة، وتكاد لا تخلو أي مادة إعلامية من طرح لهذا المصطلح الخلاب وأساليب تنميته لدى الفرد، ولقد تم التركيز من جانب البحث و الممارسة على الإبداع الفردي ومع ذلك فإن النتائج على المستوى العملي في هذا المجال ليست بالمتوقعة ماعدا حالات متفرقة من المبدعين والذين فرضوا إبداعهم على السطح رغم كل ما يحيط بهم ..
فما السبب لذلك؟
لعل من أهم الأسباب لذلك غياب الإبداع الجماعي وضعف مقومات الإبداع في المؤسسات، فالعالم اليوم يعيش عصر التنظيم المؤسسي، كما أنه عصر يتطلب مؤسسات مبدعة تقابل متغيراته المختلفة وتعالج مشكلاته المتنوعة وتحقق أهدافها بأعلى مستوى من الجودة، هذه المؤسسات هي التي تحتضن المبدعين وتهيئ لهم المناخ التنظيمي الملائم للإبداع وتقدر الإبداع الجماعي وتؤسس له بأنظمة وهياكل وبرامج .
مثل هذه المؤسسات هي التي تستحق أن تعيش . ...
فكيف تكون المؤسسة مبدعة ؟؟
تكون المؤسسة مبدعة بتكامل ثلاثة محاور أساسية فيها هي: (التنظيم الإبداعي والفرد المبدع والمناخ الإبداعي) وكل من هذه المحاور يؤثر في الآخر .
ويعتبر الفرد المبدع من أهم هذه المحاور فقيمة أي مؤسسة تكون بقيمة الطاقة العقلية فيها فمثلاً شركة كبيرة مثل شركة (أريكسون) 50% من ممتلكاتها إنما هي ممتلكات فكرية وشركة أخرى مثل (إتش بي) تصل فيها نسبة الممتلكات الفكرية إلى 80% من ممتلكات الشركة ،كما يقول مدير إحدى الشركات لدينا 300 طن من القوى العقلية.
ولنتأمل في شركة مايكروسوفت التي يصل إيرادها السنوي إلى 161مليار دولار وعدد موظفيها 14.000موظف وهي في المرتبة الأولى على مستوى العالم في مجال الكومبيوتر وتتفوق على الشركات الأخرى التي عدد موظفيها يفوق مايكروسوفت بأضعاف كثيرة وتفسير ذلك أنها أيضاً الأولى في استخدام العقول .
والأفراد المبدعون ليسوا بفئة خاصة أو نسق من البشر، هم عملة نادرة يصعب الحصول عليهم، بل كل إنسان لديه القدرة على الإبداع متى ما توفرت لديه الرغبة والدافعية والمهارات الإبداعية، والفرد المبدع يمتلك تفكيراً تباعدياً يساعده على تقديم أفكار ذات أصالة وجدة، كما يتميز بالطلاقة الفكرية والمرونة والتخلص من الجمود العقلي مع حس جمالي وتذوق فني وقدرة عقلية على التخيل مما يساعده على تحويل الأفكار المجردة إلى واقع جميل، مع وجود عدد من الصفات الشخصية أبرزها الانفتاح على الجديد والاستمتاع بالأشياء غير المألوفة مع الحماس والمثابرة والدافعية وتقبل المخاطرة أو المغامرة مع شعور بالاستقلالية وتأكيد الذات وفي نفس الوقت الذكاء الاجتماعي والقدرة على الاتصال الفعال .
وبذلك فإن الفرد المبدع بحاجة إلى المناخ والبيئة الإبداعية التي تتصف بالأمن والحرية، بيئة تتيح له عرض أفكاره -مادامت في حدود شرع الله-دون خوف من تجاهل، أو استنكار، أو رفض، أو عقاب من المجتمع.
وتزداد الحاجة إلى البيئة الإبداعية لدى الأفراد الذين إذا قوبلت أفكارهم بالرفض من المجتمع فإنهم يستسلمون لذلك، ويتنازلون عنها أو قد يتوجهون لمجتمعات أخرى تتقبل أفكارهم المبدعة، وفي هذا المجال يذكر (الكناني، 1990 م) أنه"حين تفرض القيود على الفرد المبدع يصبح مجبراً على البحث عن سراديب وأنفاق تحت الأرض يخرج فيها ما لا يقوى على إخراجه فوق سطح الأرض، وقد لا يصبر البعض فنجدهم يتوقفون عن الأداء الإبداعي، والبعض -وهم كثر ة -يمضون في الطريق السهل، ويتحول انتباههم الإبداعي إلى أشياء سطحية ليس لها من عمق أو رسالة أو إضافة، وبذلك يفقدون خصائص المبدعين " بينما هناك من المبدعين من يعتقد بأن مجتمعه بحاجة لهذه الأفكار لتزدهر، وهو يبقى يحارب من أجلها.
ومظلة الإبداع المؤسسية تقدم ظلاً وارفاً من الأمن وحرية الرأي والتفاعل والتواصل المتبادل بين جميع أفرادها مع تشجيع للتجريب وقبول الفشل أو الخطأ للتعلم والاستفادة منه فالخطأ في ثقافة المؤسسة المبدعة ليس الخطأ لأجل الخطأ أو التهاون أو العبث أو الفوضى ولكن الخطأ المدروس والذي يكون بغرض التجريب إنه الخطأ الهادف من أجل الوصول إلى الجودة .
وهذه المظلة تقدم المكافأة للجهد الإبداعي وليس فقط للنواتج الإبداعية كما أنها تدعم تقديم الأفكار والمقترحات مهما كان مصدرها بآليات منظمة، ولعل من المفيد النظر في النظام الياباني في مجال دعم المقترحات حيث يجعل تقديم المقترحات والنظر فيها عند المستوى الذي صدرت منه، أما النظام الغربي فيعمل على إدخال المقترحات كاملة في النظام ثم يتم اختبارها من قبل موظفين كبار، وهذا يلقي عليهم عبئاً كبيراً مع تجاهل لبعض الاقتراحات البسيطة، وبذلك فإن نظام المؤسسة المبدعة لايجعل المقترحات تمر في لجان لفحصها لكي يقدم لها التحفيز المناسب بل يقدم المكافآت التشجيعية لكل جهد إبداعي في نفس المستوى التنظيمي ويساعد المقترح على أن يقدم تقييماً لمقترحه وفيم يستخدم ويقدم له أيضاً سبباً لعدم قبوله في حالة عدم قبوله .
وهنا يبرز المحور الثالث للمؤسسة المبدعة وهو التنظيم الإبداعي حيث تمتلك المؤسسة المبدعة فلسفة تنظيمية ُتترجم إلى آليات وهياكل وبرامج لتحقق رؤيتها المستقبلية التي تجعل من الإبداع أحد أهم موارد المؤسسة وتخطط لتحقيق هذه الرؤية على كافة المستويات، وهي تعتبر أن القدرة على الإبداع والابتكار من أهم أهدافها والتي تعتبر أعلى شأناً من زيادة الإنتاجية والأرباح.
والتنظيم الإبداعي يرسخ قيمة الإبداع و يعمل على نشر ثقافة الإبداع في المؤسسة بوسائل مختلفة كالمحاضرات والندوات، والنشرات، والإشادة بالمبدعين وإنجازاتهم، والمسابقات الإبداعية .
ومن البرامج الجادة و الهياكل التنظيمية التي ترسخ الإبداع في المؤسسة (برامج التطوير المستمر) وبرنامج (إدارة الجودة الكلية) وهذا لا يغني عن تأسيس ( مركز الإبداع ) الذي يتبنى مسئولية إدخال الإبداع كأحد المهارات المهنية والسلوكيات الضرورية للعاملين في المؤسسة .
وإذا كانت تجربة إدخال الإبداع الجاد إلى مؤسسات الأعمال والصناعة قد سارت قدماً فإنها مازالت في مراحلها المبكرة بالنسبة للمؤسسات التربوية والتي هي أحوج ما تكون للتفكير الإبداعي لأن مخرجاتها المأمولة هم النشء الصالح والمبدع القادر على أن يتعامل مع معطيات المستقبل . ويؤكد العديد من الباحثين على أهمية المؤسسة التربوية المبدعة فنجد Shayghnessy,1990,P) ( يقول " إن القادة التربويين يجب أن يكونوا مستقطبين (باحثين ) للأفكار الإبداعية idea seekers ، وموزعين لها، بدلاً من أن يكونوا خازنين لتلك الأفكار، أو مستهلكين لها idea chokers "، وآخر يشير إلى: (( أن هناك حاجة متزايدة إلى القادة التربويين ذوي الرؤى المستقبلية الذين يكونون في ظل هذه البيئة متمكنين ذاتياً وقادرين على أن يقوموا بتحويل منظماتهم بشكل مبدع (( .
وبذلك فإن المحاور الثلاثة التي تم استعراضها للمؤسسة المبدعة هي محاور متفرقة لا تجتمع إلا في يد واحدة هي يد قائد المؤسسة التربوية ( سواء كانت إدارة عامة أو قسماً أو مركزاً أو مدرسة ) حين يقرر أن تكون المؤسسة التي يقودها مبدعة .

وتقبلوا تحياتي

No comments:

Post a Comment